منذ لحظة الإعلان عن زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث التقى ولي العهد محمد بن سلمان ووزير الدولة ثامر السبهان، تُطرح علامات الإستفهام حول فحوى المحادثات التي عقدها "الشيخ" في المملكة، لا سيما أنها جاءت بعد سلسلة من التغريدات، الصادرة عن السبهان، التي تهاجم "حزب الله"، ومطالبة الشعب اللبناني للإختيار بين الوقوف إلى جانبه أو إلى جانب الرياض.
وفي حين كانت مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار قد دعت، عبر "النشرة"، إلى إنتظار ما سيصدر عن الحريري بعد هذه الزيارة، يبدو، من وجهة نظر المصادر نفسها، أن رئيس الحكومة أبلغ رسمياً بأن ما يصدر عن السبهان يُعبّر عن الموقف السعودي الرسمي، لكن في المقابل فان الرسائل التي تحملها مواقفه ليست موجهة إلى "الشيخ"، على عكس ما كان يُقال في بعض الأوساط اللبنانية في الأيام الماضية، لكن لا أحد يعرف إلى أين من الممكن أن تتجه الأمور في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن البعض في قوى الثامن من آذار ذهب إلى رفع السقف عالياً عبر إطلاق تهديدات مضادّة، في حين أن البعض الآخر في قوى الرابع عشر من آذار لن يتردد في الإعلان عن التماهي مع المواقف التي كان يعبر عنها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج.
وتشير هذه المصادر إلى أن الدعوة إلى مراقبة سلوك الحريري تعود إلى أنه لاعب أساسي في المعادلة اللبنانية، ويعتبر من أهم حلفاء السعودية المحليين، وبالتالي من خلال مواقفه يُمكن فهم ما قد يحصل في المقبل من الأيام، لكنها ترى أن ما ظهر حتى الآن يوحي بوجود توافق حصل، بين "الشيخ" وقيادات المملكة، على حصر الهجوم بـ"حزب الله"، لا سيما أن أياً من القوى المحلية ليس قادراً على القيام بأمرٍ.
في هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن ما يُحكى عن إحتمال إستقالة رئيس الحكومة غير صحيح، لا سيما أن الحريري أكد في أكثر من مناسبة أهمية الحفاظ على الإستقرار المحلي، كما أن هذا الخيار لن يصبّ في مصلحته أو مصلحة الرياض بأي شكل من الأشكال، بل على العكس من ذلك قد يكون "حزب الله" هو المستفيد الأول منه لتعزيز نفوذه، لكنها تشدد على أن هذا لا يلغي الرغبة السعودية في التصعيد ضد الحزب، خصوصاً أنها تأتي في إطار توجّه عام بمحاصرة النفوذ الإيراني في البلدان العربية، وهذا الأمر تتوافق فيه الرياض مع الولايات المتحدة الأميركية.
من وجهة نظر هذه المصادر، ما تقوم به الرياض، في الوقت الراهن، عبر إستدعاء حلفائها في لبنان إليها هو إستطلاع رأي، لمعرفة حجم قدراتهم أو ما يمكن أن يقوموا به على هذا الصعيد، وتشير إلى أن سلسلة اللقاءات لن تتوقف عند زيارة كل من رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع للمملكة، قبل الحريري، بل ستستكمل في الأيام المقبلة بلقاءات أخرى.
إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أن الجو العام يوحي بأن السعودية تريد من حلفائها، بحال عدم قدرتهم على القيام بأي أمر، أن ينأوا بأنفسهم عن هذه المواجهة، وهو الموقف المطلوب من الحكومة اللبنانية أيضاً، التي تطالبها بعض قوى الثامن من آذار بأخذ مواقف واضحة مما يحصل، وتشير إلى أن التسوية السياسية قائمة لكن بشروط أخرى، تتطلب من الحريري الحدّ من التنازلات التي يقدمها، وتضيف: "التنسيق الرسمي مع الحكومة السورية سيكون هو الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه".
في المحصلة، يبدو أن سياسة "النأي بالنفس" ستتمدد في المرحلة المقبلة إلى الصراع بين السعودية و"حزب الله"، في حين أن الأخير لم يذهب بعد إلى الرد بشكل قاس على الهجوم عليه، فهل ستنفع هذه السياسة؟.